المادة    
إخوتي الكرام: قد أجملنا إجمالاً، وأشرنا إشارات لما يتضمنه هذا الحديث الشريف العظيم، من الوصايا الجامعة المانعة والحكم العظيمة التي نريد أن تكون بإذن الله زاداً لنا في حياتنا.
فأوصي نفسي وأوصي إخواني جميعاً: أن نعمل بهذه الوصية وأن نهديها إلى كل من نحب، وأن نكون من المتدبرين لهذه الوصايا فهماً، والممتثلين لها عملاً، والداعين إليها، والموقنين بما فيها، وأن نوقن بها حق اليقين.
فهذا كلام رسول رب العالمين صلوات ربي وسلامه عليه، وهذه وصيته، لم يوص بها عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه وحده، بل هي لنا جميعاً؛ ولهذا تحدث جمع من الصحابة عن هذه الوصية التي أوصاها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهي لكل من يريد الخير من هذه الأمة، أن يكون حافظاً لحدود الله، وأن يكون راضياً وصابراً على أقدار الله عز وجل، وأن يتعرف إلى الله في الرخاء ليعرفه الله في الشدة، وألا يسألَ إلا الله، وألا يستعين إلا بالله تبارك وتعالى، وأن يصبر ويعلم أن عاقبة ذلك هو نصر الله تبارك وتعالى له وتوفيقه وتأييده وحفظه ورعايته في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فالحمد لله،كما هو مشاهد.. وأقول لإخواني دائماً: لا تنسوه، فوالله إنكم تعيشون وتتقلبون في نعم يحسدكم عليها أهل الدنيا الذين حرموها وأنتم لا تشعرون بها.
وهم إما أنهم لا يعلمون بما نحن فيه، ولو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف، أو أنهم يعلمون ولكن لا يستطيعون نيله؛ لما حجبوا به من الشبهات والشهوات.
أنتم والله في نعم عظيمة، فأنتم تقرءون كتاب الله، والحرف الواحد منه بعشر حسنات، أليستْ هذه نعمةً عظيمة؟!
أنتم -والحمد لله- عرفتم العقيدة الصحيحة التي ينجو بها العبد عند الله، أليست هذه نعمة عظيمة؟! أنتم عرفتم طريق الدعوة إلى الله، وكثير من الشباب في العالم الإسلامي يتمنَّى أن يأتي إلى هذه البلاد منحة أو دراسة أو بأي شكل؛ ليتعلم هذا العلم ويدعو إلى الله، وقد وفقكم الله لهذه النعم كلها، فاشكروه عليها، واعلموا أن الله سائلكم عنها.
  1. الإبلاغ والتذكير

    ومن الواجب أن ندعو إلى الله عز وجل وأن نذكر أنفسنا وإخواننا بهذا؛ وإلا فلماذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}؟!
    إذا بلغك حديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبلغه لأخيك، وأحب له ما تحب لنفسك.
    فإذا قرأت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {"لا حول ولا قوة إلا بالله" كنز من كنوز الجنة} واستبشرت بالكنز، فدل أخاك عليه، وأخبر جماعة المسجد وقل لهم: هناك كنز عظيم ثمنه كلمة! فوالله لو قلت لبعض الناس: " هناك كنز في مكان بعيد لم يعرفه أحد بعد، ولو حفرتم لوجدتم الذهب، لرحلوا معك ولو إلى آخر الدنيا!
    دلهم على كنز عظيم أن يقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله!
    ودلهم على شيء خير من الدنيا وما فيها: ركعتا الفجر!
    ودلهم على شيء لا يجدون عنه عوضاً في دنياهم، لو قال الواحد منهم: "سبحان الله وبحمده" مائة مرة غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر، وما أحوجنا إلى هذا!
    يجب علينا أن نستشعر أهمية الدعوة، وأن ندعو الناس إلى الله عز وجل، وألا نكتنـز هذا العلم والخير وهذه المعارف والحقائق لنا، وندع الناس في غفلتهم وفي لهوهم وفي مشكلاتهم.
    لا تغركم مظاهر الناس؛ فإنك تجد الواحد منهم في القصور أو في الفلل، وتجد السيارات والحشم والخدم والرواتب والوظائف، فإذا دخلت إلى أعماقهم فإنك تجد الكرب والحزن، وتجد الزوجة تخاصمه، والأبناء في عقوق له، والبنات أيضاً لا يسمعن له، والسائق يغشه، ومدير العمل يخونه، وفلان يغضبه، والموظفون يكرهونه.
    سبحانه الله! ادخل إلى قلوبهم فوالله لن تجد إلا النكد والألم! وكل من تعلق بغير الله وكل إليه، فمن تعلق بالدنيا وُكِل إليها، ومن تعلَّق بمخلوق وُكل إليه.
  2. التحلي بمشاعر الحب

    أيها الإخوة: لا يكفي أن نتعلق بالله -ونسألُ الله تعالى ذلك- ونتعلق بحب الله وما أضعفنا في ذلك، ثم نترك الناس يتعلقون بما شاءوا ويحرمون من هذا الخير، بل نحبه لأنفسنا، ونرثي لحالهم، فهم والله مساكين، كما قال هذا العالم من السلف: (مساكين الذين ما عرفوا الله).
    والله! إن الذي تفوته حلقات الذكر مسكين، والذي تفوته الصلاةُ جماعةً مسكين، والذي لا يحجب زوجته وبناته ويمنعهن من النظر إلى ما حرم الله مسكين، هذا يستحق الرثاء.
    ولذلك كان بعض السلف يستعين على دعوته، برثائه للخلق وبرحمته لهم، وله أسوة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح الدم عن وجهه، ويقول: {اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون!} إن الناس لا يعلمون أننا نُحب لهم الخير، فتراهم إذا نظروا إليك أحياناً يكادون أن يزلقوك بأبصارهم وأن يبطشوا بك، وأنت لا تريد لهم إلا الخير، حتى الذي ترى أنه أعدى عدو لك، أو أنه يمكن أن يتسلط عليك ويقتلك ويفعل بك ما يشاء، فإنك تحبه وتريد له الخير، وتقول له: إذا تبتَ وآمنتَ فأنا أغفر لك وأسامحك من كل شيء، حتى وإن كنت قد فعلت بي ما فعلت وأسأت إليَّ ما أسأت، فما دمت قد عرفت الله وتبت إليه، فغفر الله لك! ونحن من اليوم إخوة أحبة في الله، فنحن لا نريد منهم شيئاً.
    لكن هل يعلمون أننا نُكِّنُ لهم هذا الشعور؟!
    ما أظن كثيراً منهم يعلم بذلك، لأننا ما أشعرناهم بذلك وما أعلمناهم به، وما رأوه منا، ولهذا يتصور كثير من الناس أن هؤلاء الدعاة وهؤلاء الشباب وحوش، ينتظرون الفرصة لينطلقوا عليهم ويفتكوا بهم ويعبثوا بهم، كالذئبين الجائعين إذا فتكا بفريسة!
    ونحن لا نريد لهم إلا الخير فدنياهم هذه التي يخافون عليها لن ننافسهم على شيء منها، ولو كانت أضعافاً مضاعفة! فلا نبالي بشيء منها ولا نريدها، إنما نريد وجه الله، ونريد ما عند الله، ونريد أن يحرروا أنفسهم من العبودية لغير الله؛ فالدراهم والدنانير والزوجة والمجلة والفيلم والشهوة كلها عبوديات.
    فأقول يا إخواني الكرام: ليجعل كل واحد منا له ورداً من كلام الله وكلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا وردت هذا المورد العذب الزلال، وتنعَّمت بهذه النعمة، فاقطف من ثمراتها شيئاً، وقدمه لجيرانك ولإخوانك ولزملائك في العمل ولمن تحب ولمن تستطيع.. أرسل به رسالة إلى واحد في آفاق الدنيا، واصرف في ذلك من مالك؛ سواءٌ كان في أمريكا، أو في الشرق، وفي الغرب، وبين له هذا الخير وهذا النور، فقد يفتح الله على يديك ما لا تعلم.
    نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقنا وإياكم لهذا، إنه سميع مجيب.